كان ابن طباطبا شاعرا كبيرا وناقدا متميزا.
و(عيار الشعر)
المراد به: الأمور التي يقدر الشعر على أساسها، وهذا العنوان يدل بوضوح على أن
المؤلف يهدف إلى بيان الصفات التي إذا توفرت في الشعر تحققت فيه الجودة، وإذا
تخلفت عنه اتصف بالرداءة.
ويمتاز الكتاب بأنه محاولة
متخصصة في دراسة الشعر دراسة ذوقية فنية، كما يمتاز بحسن التبويب والتقسيم،
وبالآراء النقدية المشفوعة بالمثال.
ومن الموضوعات
التي تحدث عنها الكتاب: الشعر وأدواته، وصفات كلٍّ من الشعر الجيد والشعر الرديء،
والقريحة والعقل، واللفظ والمعنى، والطبع والتكلف، والقافية وأثرها، والوحدة قي
القصيدة، والسرقات الشعرية.
كما تحدث عن
مراحل الخلق الشعري، والمُثُل الأخلاقية عند العرب وبناء المدح والهجاء عليها،
وضروب التشبيه وأدواته ووظائفها، وتحدث أيضا عن الابتداءات الحسنة وما تحدثه في
نفس السامع من متعة وأثر حسن.
أولا : التعريف بالمؤلف.
هو
أبو الحسن محمد
بن أحمد بن
إبراهيم بن طباطبا
،
يرجع نسبه إلى
الحسن بن على
بن أبى
طالب ، فهو
من العلويين الأشراف
،
ولد ونشأ بأصبهان
وأخذ العلم والأدب
على أئمتها ، وكان
مشهوراً بالذكاء والفطنة
،
وصفاء القريحة وصحة
الذهن ، وجودة
المقاصد .وقد عاش
في القرن الثالث
ومطلع القرن الرابع
الهجري ، وتوفي
عام ٣٢٢ للهجرة.
ثانيا : له عدة مؤلفات في الأدب والشعر، ومن
أهم مؤلفاته.
1. كتاب سنام المعالي
2. كتاب عيار الشعر
3. كتاب الشعر والشعراء
4. كتاب نقدد الشعر
5. كتاب تهذيب الطبع
6. كتاب في العروض
7. كتاب فرائد الدر
8. كتاب في تقريض الدفاتر.
9. كتاب المدخل في معرفة المعمى من الشعر.
10.
كتاب ديوان شعره.
11.
كتاب اختياره ديوان شعره.
ثالثا : اسم الكتاب،
وتوثيقه، وطباعته، وموضوعته
الاسم : عيار
الشعر
المحقق :
عباس عبد الستر، ماجستير في الأدب العربي، مراجعة نعيم زرزور، دبلوم دراسات عليا
في اللغة العربية وآدابها.
التوثيق : دار الكتب العلمية، سنة النشر 2005هـ، مكان النشر بيروت لبنان،
الطبعة الثانية. نوع الكتاب ورقي غلاف
فني، عدد الصفحات: 171
رابعا : موضوعات
الكتاب. المحور الأساسي حول الشعر.
يعد كتاب عيار الشعر من أهم الكتب النقدية التي كتبت في ذلك العصر ،
فقد تميز بثراء العطاء النقدي الصادر عن رجل متخصص مجرب ، تحدث
عن الشعر على ضوء تجربته الشعرية ومعاناته في الإبداع الشعري على عكس باقي نقاد عصره الذين كانوا علماء في الشعر
- عدا ابن المعتز الشاعر
- بل أكثرهم علماء اللغة،
لا يهمهم من الشعر إلا صياغته
.
تفكر وتدبر ابن طبا طبا في ألفاظ الشعر ،
ومعانيه .ويعتبر ابن طباطبا من أهم النقاد النظريين الذين حملوا لواء في ماهية الشعر ووظيفته ، فهو
يختلف في نهجه وفي تناوله لموضوعاته عمن سبقه من النقاد في دراسة الشعر ونقده
.وتناول
في كتابه الحديث عن الشعر وأدواته وعن ثقافة الشاعرومواصفاته ،
ثم تحدث عن كيفية نظم الشعر ومراحل النظم ،
وقسم مراحل النظم إلى أربع .ثم
أخذ
الكلام عن
الشعر وألفاظه ومعانيه ،
وتحدث عن خصائص شعر المولدين ،
ثم تحدث عن تأثير الشعراء ببعضهم البعض ثم جعل الصدق هو مقياس التفاصيل
. ثم تحدث عما يستحسن ، من شعر عصره وسبب هذا الاستحسان ، وتحدث
عن طريقة العرب
في التشبيه وأدوات
التشبيه ووظائفها..، وهو
في حديثه هذا
يعكس شخصية الناقد
المتذوق البصير بالشعر،
وضروبه ،
وقد اعتمد ابن
طباطبا في عياره
على الدراسة الموضوعية
التي تهدف إلى
التعرف على
ماهية الشعر ،
حقيقته وجوهره ،
وقد تم حديثه
عن وعى بفلسفة
الفن عامة، والنظر الجمالي
للشعر خاصة أما
في نظرته لوظيفة
الفن فقد كان
يعتمد على المبدأ
الأخلاقي، في التفرقة بين
الحسن و القبيح
اعتمد ابن طباطبا في كتابه على منهج
فني رائع وفي حديثه
عن طريقة العرب
في التشبيه وعن
المثل الأخلاقية عندهم
،
وبناء المدح والهجاء،
وقد اعتمد
في حديثه هذا
على أكثر من
منهج من مناهج
الدراسة العلمية الدقيقة
،
ففي حديثه عن الشعر
وأدوات والقريحة
والعقل ، واللفظ
و المعنى.
و اعتمد
على المنهج التاريخي
،
و المنهج النفسي
في حديثه عن
أثر الشعر الجيد، وهذا يعنى
أنه اعتمد على
المنهج التكاملي في
بحثه عن عيار
الشعر.
خامسا : أهم القضايا الي عالجها المؤلف :
وميز بينه وبين سائر فنون الأدب المنثور ، حيث
قال "الشعر - أسعدك الله
- كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم ،
بما خص به من النظم الذي إن عدل عن جهته مجته الأسماع ،
وفسد على الذوق، ونظمه معلوم محدود ،
فمن
صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر، بالعروض التي هى ميزانه ومن اضطرب عليه الذوق لم يستغن من تصحيحه وتقويمه بمعرفة.
2. نجد ابن طباطبا يفرق بين الشعر والنثر من ناحيتين الوزن ،
والطبع والذوق. الصحيح ،
فإذا كان الوزن هو الفارق الشكلي الذي يميز بين الشعر والنثر فإن تعلم العروض، لا يوجد شاعراً لأنه لابد أن يتوفر للشاعر أولاً الموهبة وسلامة الذوق الشعري ،
وعندها لا يكون الشاعر محتاجاً إلى دراسة العروض لأن الشعر سيتدفق من قلب الشاعر موزونا دون تعلم الأوزان
.يقرر ابن طباطبا أن الشعر صنعة كباقي الصناعات ،
وصنعة الشعر تحتاج إلى أدوات يجب على الشاعر أن يكون على وعي بها ،
يقول: "وللشعر أدوات يجب اعدادها قبل مراسه.
والرواية لفنون الآداب ، والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم ، ومناقبهم ، والوقوف
على
مذاهب
العرب
في
تأسيس
الشعر.
وسلوك مناهجها في صفاتها ، ومخاطباتها وحكاياتها وأمثالها والسنن المستدلة منها وتعريضها
وتصريحها
،
وإطنابها
وتقصيرها
،
وإطالتها
وإيجازها
ولطفها
وخلابتها
وعذوبة
ألفاظها
، وجزالة معانيها وحسن مباديها ، وحلاوة مقاطعها ، وإيفاء كل معنى حظه من العبارة وإلباسه
ما
يشاكله
من
الألفاظ
حتى
يبرز
في
أحسن
زى
وأبهى
صورة
،
واجتناب ما يشينه من سفاف
الكلام
وسخيف
اللفظ
والمعاني
المستبردة
والتشبيهات
الكاذبة
والإشارات
المجهولة
،والأوصاف البعيدة ، والعبارات الغثة ، حتى لا يكون متفاوتا مرقعا ، بل يكون كالسبيكة
المفرغة
،
والوشى
المنمنم
والعقد
المنظم
،
واللباس
الرائق
،
فتسابق
معانية
ألفاظه
.
5.
قضية
اللفظ والمعنى :
جعل ابن طباطبا استساغة الفهم للشعر منوطة بتوافر مقومات ثلاثة هى : جمال الوزن وحودة المعنى وحسن اللفظ ، وهذا الكلام يوحى ان ابن طباطبا من الذين يسوون بين اللفظ والمعنى من نقادنا القدامى ، بل انه يصرح فى كتابه بأن " الكلام الذى لا معنى له كالجسد الذى لا روح فيه "
ولكن المتأمل لموقف ابن طباطبا ينتهى الى ان المعانى فى الشعر لا تحتل من اهتمامه ما تحتلفه الألفاظ والصياغات ، فجوهر نظريته فى الشعر انه لون من الصياغة والتأليف وعملية الابداع الشعرى لا تبدأ الا حين يبدأ الشاعر فى صياغة هذه المعانى صياغة شعرية ، فحيئذ فقط تتحول هذه المعانى – بفضل الصياغة – الى شعر ، ويؤكد هذا انه فى السرقات الشعرية يرى ان الذى يصوغ المعنى صياغة افضل يكون اولى به من مكتشفه الاول .
جعل ابن طباطبا استساغة الفهم للشعر منوطة بتوافر مقومات ثلاثة هى : جمال الوزن وحودة المعنى وحسن اللفظ ، وهذا الكلام يوحى ان ابن طباطبا من الذين يسوون بين اللفظ والمعنى من نقادنا القدامى ، بل انه يصرح فى كتابه بأن " الكلام الذى لا معنى له كالجسد الذى لا روح فيه "
ولكن المتأمل لموقف ابن طباطبا ينتهى الى ان المعانى فى الشعر لا تحتل من اهتمامه ما تحتلفه الألفاظ والصياغات ، فجوهر نظريته فى الشعر انه لون من الصياغة والتأليف وعملية الابداع الشعرى لا تبدأ الا حين يبدأ الشاعر فى صياغة هذه المعانى صياغة شعرية ، فحيئذ فقط تتحول هذه المعانى – بفضل الصياغة – الى شعر ، ويؤكد هذا انه فى السرقات الشعرية يرى ان الذى يصوغ المعنى صياغة افضل يكون اولى به من مكتشفه الاول .
وخلاصة
موقف ابن طباطبا من هذه القضية انه يرى ان اللفظ والمعنى عنصران جوهريان من عناصر
الشعر ، لا يمكن الاستغناء بجودة احدهما عن جودة الاخر.
سادسا : مراحل
بناء القصيدة عند طباطبا وهي أربع مراحل.
1. مرحلة تكوين الفكرة، ومخاضها في
الذهن.
2. مرحلة اختيار الصورة الشعرية.
3. مرحلة صياغة القصيدة.
4. مرحلة التثقيف والتهذيب.
سابعا
: ماهية الشعر عند ابن طباطبا - رحمه الله تعالى-
أما
ماهية الشعر :
فهو - عند ابن
طباطبا - عملية صناعية
يلعب فيها العقل
الدور الأساسي؛ لذلك نجده
يفصل بين شكل
العمل الشعري ومحتواه
. أما التمايز
في الشعر فإنه
يرجع إلى صورته الشكلية
فقط ، فالشعر
"مختلف كاختلاف
الناس في صورهم
،
وأصواتهم ، وعقولهم ، وحظوظهم
وشمائلهم وأخلاقهم ،
فهم متفاضلون في
هذه المعاني .
وكذلك
الأشعار.هي متفاضلة في
الحسن على تساويها
في الجنس ،
وموقعها من اختيار
الناس إياها كمواقع
الصورة الحسنة
عندهم
.من هنا
نلاحظ أن الصورة
في الشعر هي
المبدأ الذي يأخذ
به ابن طباطبا
في تقديمه قصيدة على
أخرى ، لذلك
فهو يلح على
الاتساق الشكلي بين
عناصر الصورة في
الشعر ، لذلك فإن القصيدة
الجيدة هي التي
تتوافق عناصرها الشكلية
وتتجانس لأن أحسن
الشعر -عنده -
هو "ما ينتظم
فيه القول انتظاماً
يتسق به أوله
مع آخره على
ما ينسقه قائله
فإن قدم بيتاً
على بيت
دخله الخلل كما
يدخل الرسائل والخطب
إذا نقص تأليفها
.."
ثامنا : ملاحظات وتأملات حول كتابه (عيار الشعر)
في النقد.
أولا : أنه حصر مراحل بناء القصيدة في أربع.
ثانيا : أنه توصل في بحثه عن القافية و أقسامها السبعة، ويعتز
بما توصل إليه، كما يقول: هذه حدود القوافي لم يذكرها أحد ممن تقدم.
ثالثا : كلامه عن
ضروب التشبيه جديد، لم يسبق إليه أحد.
رابعا : ظهر نقد الأدب
العربي في تحليله و تعليله بصورة واضحة.
خامسا : حديثه عن
الوحدة الفنية جديد.
سادسا : جعل
الشيء الجيد هو الذي يؤدئ إلى متلقيه معنى حكيما أو أخلاقيا أو مجموعة من الأفكار
الواضحة.
سابعا : يؤخذ
عليه عدم التنسق والترتيب في عرض الأفكار على منوال الشعر، ممكن يعرض قضية أثناء
عرضها يتحدث عن شيء آخر ثم يعود في القضية الأولى.
خاتمة :
هذا كتاب جليل في النقد، وله بصمة
طيبة لدى الأدباء في الماضي والحاضر، فأكب العلماء على شرح هذا الكتاب وتحقيقه،
ومن أهم المحققين، الذين ساهموا في هذا
العمل الخصب.
الدكتور طه الحاجري والدكتور محمد زغلول سلام، على أنه من الكتب المهمة في النقد الأدبي وفن الشعر، وهما يذهبان إلى تفضيله على "الشعر والشعراء" لابن تتببة، و"البديع" و"طبقات الشعراء" لابن المعتز و" وقواعد الشعر" لثعلب و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، لأن صاحبه شاعر يقول الشعر ويعانيه، في حين أن الآخرين – عدا ابن المعتز – علماء بالشعر، وأكثرهم علماء لفقه.
الدكتور طه الحاجري والدكتور محمد زغلول سلام، على أنه من الكتب المهمة في النقد الأدبي وفن الشعر، وهما يذهبان إلى تفضيله على "الشعر والشعراء" لابن تتببة، و"البديع" و"طبقات الشعراء" لابن المعتز و" وقواعد الشعر" لثعلب و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، لأن صاحبه شاعر يقول الشعر ويعانيه، في حين أن الآخرين – عدا ابن المعتز – علماء بالشعر، وأكثرهم علماء لفقه.
يمتاز كتاب عيار الشعر بطابعه الخاص الذي تظهر فيه شخصية مؤلفه وذوقه في اختيار النصوص، وقد كان مؤلفه يدرك عناصر الحسن والجمال في الشعر ، وفي الكتاب كلام على اللفظ والمعنى والصور البيانية، والقصيدة وموضوعها وصلته بالحال والمقام، وفيه حديث عن المعاني الشعرية وتناول الشعراء لها قدماء ومحدثين وتصرف المحدثين فيها، فمنهم من يقلد السابقين ومنهم من يبدع ولا يقلد .
للذوق والطبع الصحيح عند ابن طباطبا أهمية خاصة، يقول (ص 3 و4) : "فمن صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه، ومن اضطرب عليه الذوق لم يستغن من تصحيحه وتقديمه بمعرفة العروض والحذق به".
ويرى ابن رشيق القيرواني إن المطبوع من الشعراء مستغن، بطبعه عن معرفة الأوزان وما يتعلق بها، لنمو طبعه عن المزاحف منها والمستكره، أما الشاعر الضعيف الطبع فمحتاج إلى معرفة شيء من ذلك، يعينه على النظم
يرى ابن طباطبا في حديثه عن "على حسن الشعر" (ص 14)،
إن كل حاسة من حواس البدن، إنما تتقبل ما يتصل
بها مما طبعت عليه البدن، إنما تتقبل ما يتصل بها مما طبعت عليه فالعين تألف
المرأى الحسن، والأنف يقبل المشم الطيب، والفم يلتذ بالمذاق الحلو، والأذن تشوف
للصوت الخفيض الساكن واليد تنعم بالملمس الناعم، والفم يانس من الكلام بالعدل
والصواب الحق. ومن علل حسن الشعر الأخرى قوله : "ولحسن الشعر وقبول
الفهم إياه علة أخرى وهي موافقته للحال يعد معناه لها كالمدح في حال المفاخرة
.
ولابن رشيق شيء شبيه بهذا، يقول تحت عنوان "لكل مقام مقال" "وقد قيل : لكل مقام مقال وشعر الشاعر لنفسه وفي مراده وأمور ذاته من مزح وغزل ومطايبة، ومجون وخمرية وما أشبه ذلك . وفي نهاية المطاف، كتاب عيار الشعر من أهم الكتاب في النقد، لا يستغني عنه الأديب البارع.
ولابن رشيق شيء شبيه بهذا، يقول تحت عنوان "لكل مقام مقال" "وقد قيل : لكل مقام مقال وشعر الشاعر لنفسه وفي مراده وأمور ذاته من مزح وغزل ومطايبة، ومجون وخمرية وما أشبه ذلك . وفي نهاية المطاف، كتاب عيار الشعر من أهم الكتاب في النقد، لا يستغني عنه الأديب البارع.
الفهرس