أولا :
التلخيص.
هذه المرحلة نستطيع أن
نقسمها إلى قسمين:
1.
جهرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
2.
جهرية المسلمين(أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم)
علما الفرق بين المرحلتين أقل من سنتين، وابتدأت المرحلة الثانية بقوله
تعالى،(( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن االمشركين))[1]
وبعد نزول (وانذر عشيرتك الأقربين) دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بني هاشم،
فحضروا، ونفر من بني المطلب، فكانوا خمسة أربعين نسمة، فجاء أبو لهب وهو يثرثر في
الكلام، وفي النهاية هو يقول مخاطبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أحدا
جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت الرسول و لم يتحدث النبي - صلى الله عليه
وسلم- في هذا المجلس.
دعا الرسول عشيرته مرة ثانية فخطب خطبة ذات عبر و دروس في جميع مراحل
الحياة، وفي نهاية الخطبة يقول عمه الحنون أبو طالب: كم أنت متعاون لنا، وأنا
بجانبك، وأصدقك بما تقول، ولكن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب بل تطوق
إلىيه. بعد أن تأكد أن عمه يتكفل بحمايته، قام يوما على جبل الصفا، فصرخ يا
صباحاه! فاجتمع الناس، فدعاهم إلى التوحيد، والايمان برسالته، و يوم البعث.
وانتهت هذه المرحلة بعد عام الحزن، واتجه النبي صلى الله عليه وسلم خارج
مكة ناويا لإقامة دولة إسلامية، ومدتها سبع سنين.
خصائص المرحلة الثانية وسماتها :
الميزة الأولى : دعوة الأقربين.
كان الإسلام لكفار قريش شيأ جديدا وهو ثورة عارمة على معتقداتهم المتوارثة،
ومن ثم الشخص الذي يهاجمهم اعتقديا وفكريا سيتعرض للخطر،لذلك حماية للنفس على
الداعية أن يكون الأقرباء متماثلين في منهجه وميوله، وإلا من سيحميه في رحاب
الدعوة. ومن هذا المنطلق اعتنق كثير من أقربائه صلى الله عليه وسلم الإسلام مثل
خديجة وعلي رضي الله عنهما وخلق كثير. وكان في الطريق الدعوية حكيما.
الميزة الثانية : الإعراض عن
المشركين.
هذه الميزة تجلت في قوله تعالى:
(فاصدع بما تؤمر، وأعرض عن الجاهلين) فهذا أمر من الله سبحانه تعالى وهو أن يقوم
الرسول بالأعمال الدعوية، مهما واجه الرسول من المصائب والعراقيل والأذى من قبل
المشركين، ماديا أو معنويا فلا محالاة إلا الدعوة، وكذلك الحث على تحمل المشقة.
وبكلمة إنها كف اليد، والاكتفاء بالتبليغ. وفي هذه السمة فكرتان أساسيتان وهما
أولا : استمرارية الدعوة وعدم التقاعس عنها.
ثانيا : عدم مقاومتم ماديا أو معنويا.
الميزة الثالثة : معالم الدعوة
الجديدة.
v
المحاور الأساسية لهذا الدين :
1.
الإيمان بالله الواحد.
2.
الاعتقاد برسالة محمد- صلى الله عليه وسلم-
3.
الإيمان باليوم الآخر.
هذه هي الخطوط العريضة لتي تم التركيز عليها طوال هذه الفترة، والتي انكشفت
في خطبته صلى الله علي وسلم. أما دعوة
الإيمان بالله، فهي كلمة ورائها أشياء، وهي تماشيا مع الأديان الأخرى من باب
التسامح الديني على حد تعبيرهم، وبجانب دعوة الإسلام قائمة منذ انبثاقها الإيمان
بالله الواحد.
الميزة الرابعة: الدعوة عامة
رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسالة عالمية، كما قال الرسول صلى
الله عليه وسلم( إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة) و بقوله تعالى( وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فدعوته غير مرتبط بمكان دون مكان، وزمان دون زمان.
وجميع تحت هذا الدين في رتبة واحدة.
الميزة الخامسة: سرية التنظيم.
الاستتار بدار الأرقم، كان رسول الله صلى الله مؤيدا من قبل الله تعالى في
مثل هذه الأشياء، وفيها دروس وعبر للأجيال القادمة، والحركات الإسلامية ومن الوجوب
أن تكون سرية التنظيم حتى أن لا تسطيع قريش أن تقضى على دعوته ورسالته صلى الله
عليه وسلم. وهناك أسباب في اختيار دار الأرقم، كونه غير معروف أنه أسلم، أنه من
بني مخزوم، أنه كان من الصغار وغيرها من الأسباب.
الميزة السادسة: القرآن مصدر
التلقي.
القران هو معدن صاف يأخذ منه الصحابة رضوان الله تعالى زادهم يوميا بعد
نزوله على قلبه صلى الله عليه وسلم، والصحابة قاموا الأخذ به شبرا بشبر في حياتهم
اليومية، والتنحي عن العادة الجاهلية، هذه الأمة كانت أمية وبالقرآن هم وصلوا في
أوج الازدهار علميا وثقافيا وفكريا.
الميزة السابعة : اللقاء المنظم
المستمر.
اللقاء المستمر مع القائد ينبت
الثقة لدى النفوس، ويقوم المرشد بدوره المطلوب وهو توجيه الأمة على الصواب، وحل
المشاكل بطريقة منصفة، حتى يكونوا مدركين على وضع الأمة في كل الأوقات.
الميزة الثامنة : الصلاة خفية في
الشعب.
كانت الصلاة في ذاك الوقت الغداة والعشي ويصلونها بكل حذر، وأحيانا وقت أداء
الصلاة يرصده علي و زيد رضي الله تعالى عنهما. أما الصلاة عند الدعوة السرية كانت فردية، أما في هذا
المرحلة الجهرية لابد بصورة جماعية في المساجد.
الميزة التاسعة: التركيز على
الجانب الروحي.
أهم المحور في هذه السمة، وهو صلة العبد بربه بشتى القربات والطاعات، في
جميع مراحل الحياة اليومية، الجانب الروحي فهو أكثر تأثيرا من الجوانب الأخرى.
الميزة العاشرة: الدفاع عن
النفس.
عندما يعتدي العدو على المسلم،
فعلى المسلم أن يرده عن نفسه فلا حرج فيه. وخاصة حينما يكون الاعتداء على الجسد.
علما هذا الدفاع لا يأخذ طابع التحرش والاعتداء.
v ثانيا
: لقد تناول الموضوع عدة أفكار، ومن أهمها.
موقف أبي
طالب المعلن في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم: أثار ضجة كبيرة، ومعركة داخلية في صفوف مكة.
والأمر القرآني من غاية الوضوح أنه لا خيار من الإعلان العام برسالته مهما كانت
نتائجها. وينكشف وراء هذا المنهج أن الدعوة تكون بالصبر وبتحمل الأذى. ولا يجوز
التقاعس من الدين بحجة مسايرة المشركين، ومراعاة ظروفهم. حاليا بعض الناس من
الإسلام لا يذكر الإسلام خوفا من أن يتهمه الآخرون بالتعصب والإرهاب، ولا القران
والسنة حتى لا يغضب اليهود والنصارى. استمرار الدعوة مهما كانت ظروفهم، وعدم
مهاجمتهم بالسلاح.
فكرة الإيمان
بالله: يثيرون مثل هذه الشعار في الإعلام
و يعلمون الطلبة في المدارس على هذه
الفكرة حتى لا تجرح مشاعر الآخرين، حتى يرضى اليهود والنصارى، والمشركون، الشيئان يحاولان
هدم قصر الإسلام، الجاهلية الوثنية، والثاني الإلحاد الحديث.
فكرة المساوة
: إن الإنسان تحت ظل الإسلام في
منصب واحد ولكل له حق الحياة والحرية، مثل قصة بلال رضي الله تعالى، ليس هناك فرق
ما بين السيد والعبد، وميزان الإنسان بيد الله تعالى، وليس بيد الناس فهذا هو
تعليم الإسلام، التقوى هو أساس الميزان.
فكرة اختيار
دار الأرقم: فعلى الدعاة أن يأخذوا مثل هذه
المواقف في سبيل دعوتهم إلى الله سبحانه تعالى بعين الاعتبار، وأن يكونوا مدركين
وضع ظروف الأعداء، سياسيا وفكرياا واجتماعيا. الرسول كان ذا وعي ويقظة وفطنة، قد
يخطر ببال الكفار أنه صلى الله عليه وسلم بدار بني هاشم أو أبي بكر، أو في بيت
عثمان بن عفان وغيرهم، ولذلك ما اختارها.
القرآن هو مصدر المسلم في حياتهم
اليومية، وتربى أصحابه - صلى الله عليه وسلم - على منهاج القرآن، وهذا الجيل كان
أميا لا يعرف الكتابة والقرآءة، و اختلط عندهم الحق بالباطل، وكانوا بعيدين عن
الفلسفة اليونانية، والعلوم الرومانية، وحكمة الفرس، وعاشوا سعيدا بالوحي فقط.
v ثالثا:
لقد اسفدت كثيرا، ومن أهم الاستفادات في هذا الموضوع.
1. الأقارب لهم دور فعال في مجال الدعوة.
2. كان الرسول ما ترك قومه في البداية مع هذه الشدائد
والعذاب المؤلم.
3. الدعوة تكون مقترنة بالصبر والاستغفار.
4. أن الكفار كانوا يعيشون عيشة جاهلية.
5. يفضلون دين أبائهم دون تفكر وتمعن النظر.
6. موقف أبي طالب في حماية الرسول، لقد ظهر الحق بباله ومع
ذلك فضل دين الأجداد.
7. كان الرسول تكفل لعلي وذلك من باب المعروف.
8. القران هو منهج الحياة اليومية للمسلم.
9. فكرة الإيمان بالله تعالى، وفكرة المساوة بين العبد
والسيد.
v
منهج الكاتب في كتابته
: تناول المؤلف هذا الموضوع بشكل سهل التناول، و ببسط الموضوع بسطا عصريا، وكلماته
سهلة واعتمد غالبا على التركيب الخبري دون الإنشائي وذلك بما يفيد التركيب الخبري
على التحقق والاستمرار، و صياغة التراكيب كانت واضحة المعنى، ولم يكتفى فقط بعرض
سطحي، بل تناول المواضيع مستدلا بالآيات القرآنية و نصوص من مشكاة السنة.
v
أراء شخصية بصدد هذا
الموضوع : إن سرد المؤلف بمثل هذا الأسلوب، يفيد القراء فائدة تامة، أنه لا يكتفي فقط
بعرض الموضوع، بل يحاول دائما أن يرتبط الموضوع بالواقع، وبرأيي أنه موفق في هذا
الكتاب، أنه دائما يؤجه التوبيخ الذين يتكاسلون في إبلاغ الدعوة ملبين بعدم تجريح
مشاعر الآخرين، بل الرسول صلى الله عليه وسلم عانى وتكابد من شتى العذاب في تبليغ
رسالته من قبل قريش، ولم يعرض عن دعوته طرف عين، ولم يهاجمهم أبدا في بداية الأمر،
في هذا العرض الجميل يكمن زاد الدعاة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى. وبكلمة فحياة
الرسول هو التطبيق العملي للدولة الإسلامية.
الحمد لله أولا و آخيرا